وسط جو مفعم بنفحات العلم والتعلم في مجال القانوني، كان لقاء ثلة من الأساتذة الباحثين، والقضاة، وطلبة الماستر، بكلية الحقوق المحمدية. ولأن جميع أيام شهر مارس، تعتبر احتفالا بشقائق الرجال، اختار إدارة الكلية، وماستر قانون الأعمال، الاحتفاء بطريقة خاصة، تمثلت في لقاء علمي جمع بين عرض للتجربة في إطار الممارسة المهنية، وآخر للنظرية في إطار المتابعة العلمية للتحصيل، فكان الاحتفال بحق عنوان اعتراف بالمرأة المغربية وما حققته من إنجازات في مجال شتى…
كانت المناسبة هي الرغبة في الاحتفاء بالمرأة. ولم يكن أفضل من الاجتماع في لقاء علمي، يتدارس المشاركون فيه جوانب من مشاركة المرأة في جميع مناحي الحياة المجتمعية، وما راكمته من تجارب وخبرات، علمية وعملية. لقاء علمي جسد ما يمكن أن تحققه المرأة المغربية في مراتب المسؤولية، ممثلا في عرض الأستاذة «بشرى العلوي» رئيسة المحكمة الابتدائية بابن سليمان، والأستاذة «إلهام بنعامر» وكيلة الملك بالمحكمة الاجتماعية بالدارالبيضاء. وهي مراتب المسؤولية التي لم تبلغها المحاضرتان اعتباطا، ولا كانت هبة تعطف بها الرجال على النساء. بل إنها شكلت ثمرة لمسيرة طويلة من التجربة العملية، وإثبات الذات لنيل الاستحقاق. استحقاق عملي كان الهدف من عرضه إبرازا للنموذج المتوخى الذي لا يعز ولا يقل، وإنما يزداد بتوسع قاعدة المجالات العملية التي تقتحمها المرأة المغربية عن جدارة.
جمع اللقاء، بين الرئيسة والوكلية، كما ضم الأستاذة التي نالت استحقاق الوصول إلى المؤسسة التشريعية، والطالبة التي لم يمنعها حملها للبذلة السوداء، ضمن هيئة الدفاع من مواصلة مسيرة التحصيل، لتدلو بدلوها في ندوة الاحتفاء بالمرأة التي احتضنتها كلية الحقوق، بمدينة الزهور.
بتسجيل المواظبة والجدية والرغبة في الاستزادة في التحصيل، وغرف المزيد من ينبوع المعرفة، كان الاعتراف بالمرأة الطالبة في كلية الحقوق المحمدية. اعتراف تجسد على لسان رئيس الندوة العلمية لماستر «قانون الأعمال»، ورئيس هذا المسلك بالكلية، الأستاذ «عبد اللطيف وردان»، نائب رئيس المحكمة المدنية بالدارالبيضاء، الذي نوه في كلمته بعمل المرأة سواء في المجال القانوني وتفريعاته أو مجالات علمية وعملية أخرى لا تقل أهمية عن الاشتغال القانوني.
وهكذا تناولت الأستاذة «بشرى العلوي» في مداخلتها المعنونة بـ «المرأة القاضية بين المسؤولية المهنية والأسرية»، عمل المرأة عامة وعمل المرأة القاضية كمجال للاختصاص الذي أبلت فيه المرأة المغربية البلاء الحسن، وساهمت في تشييد صرح العدالة جنبا إلى الجنب الرجل القاضي منذ أن ولجت مجال القضاء. دون أن تفوت الفرصةس لتشير اعتمادا على أبحاث اجتماعية غربية وعربية إلى سعي المرأة لتحقيق التفوق على الرجلس، وتمكنها من ذلك في العديد من المجالات. وهو الأمر الذي أكدت رئيسة ابتدائية ابن سليمان، انطلاقا من تجربتها الشخصية فس إطار التدريس بكلية الحقوق المحمدية، والملاحظات التي تقف عليها من خلال مواظبة العنصر النسوي على تتبع المحاضرات، وإنجاز البحوث أكثر مما يسجل لدى الطلبة الذكور. وهي الصفات التي تعتبر ـ في نظرها ـ نقطة ترفع من رصيد المرأة المعرفي، ويمتن تكوينها عبر البحث والتحصيل المستمر، لفترات أطول مما يستغرق الطلبة الذكور. وعرجت الأستاذة في بحثها على جوانب تاريخية من علاقة المرأة بالمجتمع وعلاقتها بالرجل، لتتساءل: هل عمل المرأة حق أم هبة..؟ وتخلص إلى أن عمل المرأة شكل حافزا لتمتين علاقتها مع جميع أطرافس المجتمع، مشيرة إلى الدراسات الاجتماعية ذهبت إلى أن «أبناء المرأة العاملة أفضل لأنها تكون واعية أكثر، وعلى قدر المسؤولية، وواثقة بنفسها، وتحاول ما أمكن تعويض أسرتها عن الوقت الذي تقضيه في عملها.
أما وكيلة الملك بالمحكمة الاجتماعية بالدرالبيضاء «إلهام بنعامر»، فاختارت الحديث في موضوع «منجزات المرأة القاضية بالمغرب»، حيث أشارت إلى أن المغرب كان من أول الدول العربية والإسلامية الذي اقتحمت فيه المرأة مجال القضاء، بانخراط أول امرأة في القضاء سنة 1961. وبعد مرور أزيد من عقد في الحساب الزمني بعد الألفية الثانية، يكون المغرب قد احتفل بمرور الذكرى الواحدة والخمسين لإعتلاء المرأة المغربية منصة القضاء. وهو ما اعتبرته المتدخلة «مناسبة لإبراز النجاح الاذي حققته، وساهمت في أجيال من النساء القاضيات المغربيات».
وأكدت المحاضرة أن «المتتبع لمسار المرأة المغربية، كعضو في السلك القضائي، يلاحظ أنها بالفعل كانت في مستوى المسؤولية، وحققت نجاحا جعلها ترتقي في أدراج السلم القضائي، سواء في الإطار المهني أو في التدرج في الوظائف القضائية»، مسجلة أن المغرب يضم حاليا «عضوات للنيابة العامة في مختلف مستويات المحاكم، ورئيسات محاكم، ورئيسات أوليات لمحاكم استئناف، ورئيسات غرف بالمجلس الأعلى…».
26 في المائة هي النسبة التي تمثلها النساء من مجموع الفئات النشيطة بالمغرب. هكذا اختارت الأستاذة حكيمة ، النائبة البرلمانية التي أبدت فرحتها بلقاء الطلبة في رحاب كلية الحقوق، استهلال مداخلتها. وهي المناسبة التي أتاحها لها ماستر قانون الأعمال بالمحمدبة. و18 في المائة هي نسبة النشيطات من النساء في الوسط الحضري، حسب إحصائيات مندوبية الإحصاء. كما أن نسبة مساهمة النساء في الناتج الداخلي الخام قد تصل إلى الثلث. أرقام ارتأت المتدخلة أن تستند إليها في عرضها.
لتتساءل في إطار التحولات المجتمعية العميقة عن مدى مواكبة البنيات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية للأدوار الطبيعية المرأة، ومدى ملاءمة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للولوج المتصاعد للمرأة المغربية في السلطة وفي مناصب مهمة؟
لتخلص إلى أن الذي ينقص التفعيل الجيد لكل الحقوق التي تتمتع بها المرأة هو طريفة التكير والوعي، من أجل تحقيق تكافؤ الفرص. هي إذن مناسبة طرحت أفكارا مهمة قاربت موضوع الوضعية الحقوقية للمرأة المغربية في الاحتفاء بيومها العالمي، الذي يخلد على امتداد أيام السنة، وليس فقط في الثامن من مارس من كل سنة.