حتى لا تتكرر المأساة بالمحمدية..
سيناريوهات ما بعد عزل الرئيس
بقلم : الاستاذ بوشعيب حمراوي
خلصت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى النطق بحكم عزل حسن عنترة الرئيس الحالي لبلدية المحمدية، وقضت بالنفاذ المعجل. حكم لا يمكن الخوض في مدى صحته، ولا تصنيفه كحكم حقيقي أو سياسي أو … إلا بعد التوصل بمنطوقه، والتعرف على الأسباب والمسببات. ولو أننا نؤمن بأن القضاء لا يتلاعب بالقضايا، وأن داخل الجسم القضائي هناك أناس شرفاء ومسؤولين يؤمنون بمدى أهمية الإنصاف والعقاب في تنمية ونماء البلد. الأكيد أن عنترة ومن معه مستاءين من الحكم، وأن باقي فرق الأحزاب السياسية المشكلة للمجلس البلدي، فرحون بما يعتبرونه إنجازا تحقق بفضل تكتلهم ووحدتهم. والأكيد بمدينة المحمدية، وبعيدا عن المتعاطفين مع هذا الطرف أو ذاك. هناك الآلاف من السكان يترقبون البديل المنتظر. ولا يهمهم من سيكون (زيد أو عمر)، بقدر ما يأملون في أن يكون بديلا نزيها وكفئا وقادر على إعادة قطار تنمية المحمدية إلى سكته الصحيحة. والإسراع بإعادة الروح والدم إلى (المحمدية) القلب النابض لجهة الدار البيضاء/ سطات. والتي أنهتكها الصراعات والتطاحنات السياسية من جهة. وتكالب مجموعة من النافذين (مستثمرين وغيرهم)، واغتصاب بيئتها ومواردها الطبيعية. وتهميش كوادرها وشبابها الواعد في كل المجالات الثقافية والفنية والرياضية.. مدينة بها أكبر منطقة صناعية، وشبابها عاطل. لا ينال سكان المدينة والجوار من شركات تلك المنطقة، سوى التلوث الأرضي والبحري والجوي، وتضرر الأزقة والشوارع من شاحناتها وآلياتها الضخمة. كما أن المجلس الجماعي لا يستفيد من تواجدها بترابه، لأن مقرات تلك الشركات تتواجد خارج تراب عمالة المحمدية (الدار البيضاء، الرباط ….)، وتلك المدن هي التي تستفيد من ضرائبها السنوية. مدينة بها ميناء ضخم للصيد، يتم تسويق منتوجاته السمكية بعشوائية، وبها ميناء تجاري، ينشط وكأنه داخل (دويلة) تابعة للمحمدية. ولا يستفيد المجلس البلدي من مداخيله المالية، التي يمنح جزء منها لمجلس جهة الدار البيضاء. مدينة بها طاقات فنية وأدبية ورياضية مهمشة. وبها أبطال ونجوم أعطوا للمدينة الكثير وطنيا ودوليا. وتم تهميشهم. علما أن أطفال وشباب المدينة هم في حاجة إلى القدوة والقائد المتمثل في هؤلاء المهمشين والمهمشات.
عهد (عنترة) قد ولى .. وطبعا فنهاية عهده لا تعني أن الرجل فاسد. لأن الرجل الفاسد يمكنه عزله وحتى سجنه، بناء على ملفات الفساد. وليس بالضرورة أن ننتظر تطبيق قانون نصف الولاية. فبإمكان أي مستشار أو حتى فعاليات جمعوية أو السلطة أو المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة بوزارة الداخلية أو .. أن تحيل ملفات فساد رئيس على الوكلاء العامين للملك بكل استئنافيات المملكة. والتي تحيل تلك الملفات على قضاة التحقيق والجلسات العمومية. وتقضي بكل أنواع الأحكام الزجرية في كل وقت وحين.. انتهى عهد عنترة.. فمن يعتبر نفسه أهلا لتسلم العهدة والأمانة.. ذكر كان أم أنثى .. لا يهم انتماءه الحزبي بقدر ما يهم كفاءته ومدى قدرته على الإصلاح والتنمية. عدة أسماء تلوح في فضاء المدينة وتتقاذفها ألسنة الإعلاميين والفايسبوكيين وفعاليات المدينة.. لن نذكر هذه الأسماء ولا حتى بعضها، حتى لا نتهم بدعم أيا منهم.. لكن لابد من قراءة في السيناريوهات المرتقبة للأحزاب السياسية الأربعة المشكلة للمجلس. ويتعلق الأمر بأحزاب الأغلبية في المجلس (العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي)، والحزب المعارض (الأصالة والمعاصرة).
الكل يعلم أن انطلاق فكرة عزل الرئيس كانت من داخل فريقه حزبه (العدالة والتنمية)، الذي بلغ به الاحتقان الداخلي إلى حل المكتب الإقليمي وجميع الهياكل والفروع بتراب عمالة المحمدية، ومنح صفة المنسق الإقليمي للأستاذ المحامي والنائب البرلماني نجيب البقالي، الذي عوض سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، بمجلس النواب.ومنها انطلق التكتل الحزبي، الذي كان من بين شروطه أن يبقى منصب الرئاسة تحت مظلة حزب المصباح. وأنا كنت ولازلت مستبعدا توافق كل الأحزاب على هذا الشرط. وهناك من داخل تلك الأحزاب من أكد لي عدم قبوله بذلك الشرط. لأن العدالة والتنمية أخذت فرصتها بتعيين رئيس من داخل فريقها. لكن الاختيار حسبهم لم يكن في المستوى. وبالتالي فلا يمكن أن يعاد تعيين رئيس جديد من نفس الحزب.
وإذا ما ذهبت الأحزاب الثلاث (الحمامة، الوردة، الجرار)، إلى التخلي عن شرط احتفاظ (المصباح) بمنصب الرئاسة. فهذا طبعا سيحيل فريق العدالة والتنمية إلى المعارضة. لعدة أسباب منها (ردة فعل المصباح الغاضبة) من جهة، ومنها أنه لا يعقل أن يتشكل مجلس جماعي من كل الفرق السياسية المشكلة للمجلس البلدي. فلا بد من أن يكون هناك حزب معارض يتولى مهام المراقبة والانتقاد.. ولو أن المجلس المقبل (بعد العزل النهائي للرئيس)، قد يعرف إضافة فريق خامس بقيادة الرئيس المعزول قضائيا ومعه (زوجته ونائبه السابع ..). فالرئيس عنترة ومن معه المبعدون شفويا من حزب العدالة والتنمية. لازالوا إلى غاية يوم النطق بالحكم (سادس نونبر)، رافضين اعتبارهم خارج سرب المصباح. يعني أن عملية الطرد لم تتم بشكل رسمي بناء على وثائق. فإن تم الطرد بشكل رسمي، فمن حق الرئيس ومن معه الالتحاق بأي حزب سياسي، والحفاظ على صفاتهم كمستشارين بالمجلس الجماعي. وهذا الاحتمال لم يستبعده عنترة، الذي أبدى إعجابه وتقربه في عدة تدوينات له بحزبي الاستقلال والبيئة والتنمية المستدامة. وقد يلجأ إلى أحد الحزبين. ليكون فريقا استقلاليا أو بيئيا معارضا داخل المجلس. أما في حالة صمت حزب المصباح، وعدم طرد عنترة ومن معه. فإنه لا يحق لهم الابتعاد عن الحزب. وفي حالة انضمامهم لحزب آخر، سيجردون من صفة مستشارين. وسيتم اختيار بدائل لهم من داخل اللائحة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية (الخاصة بانتخابات شتنبر 2015) مع احترام الترتيب.
ما يأمله سكان المدينة التي فقدت زهورها الطبيعية والبشرية، هو أن تراعي تلك الأحزاب السياسية مصالحهم، وأن يكف ممثلوها عن الدخول في صراعات سياسية واهية. ويعودوا إلى رشدهم. ويعملوا على الإسراع بانتقاء رئيس على خلق وعلى علم وعلى قدرة لتغيير وجه المدينة العبوس.