صحف أوروبية ـ خطة ترامب بشأن غزة إقبار لعملية السلام وحل الدولتين

تفاعلت صحف ألمانية وأوروبية بمزيج من الاستنكار والاستغراب مع اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بسيطرة الولايات المتحدة على غزة ونقل سكانها إلى البلدان المجاورة، مجمعة على أن في ذلك خرق سافر للقانون الدولي

.لقيت خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة توطين فلسطينيي غزة في البلدان المجاورة بالقوة رفضًا واسعًا وتعليقات يغلب عليها الاستنكار والاستغراب في الصحف الألمانية والأوروبية. وحذر عدد من المعلقين والخبراء من انتهاك القانون الدولي. وقد كرّر ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي « تروث سوشيل » يوم الخميس (السادس من فبراير 2025) مقترحه، مؤكدا أنّ بلاده « ستتسلّم من إسرائيل قطاع غزة بعد انتهاء القتال » وأنّه « لن تكون هناك حاجة لجنود أمريكيين » لتنفيذ هذه الفكرة.

وكتب ترامب في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي « تروث سوشيل » أن « إسرائيل ستسلّم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال ». وأضاف ترامب أن « الولايات المتّحدة، بالتعاون مع فرق تطوير عظيمة من مختلف أنحاء العالم، ستبدأ ببطء وتأنّ ببناء ما سيصبح واحدا من أعظم وأروع مشاريع التنمية من نوعها على وجه الأرض ».

وبهذا الصدد كتبت صحيفة « إلبايس » الإسبانية (السادس من فبراير) معلقة « إحدى السمات الأكثر إثارة للقلق في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ ما يقرب من قرن هي أن ما كان غير قابل للتصوُر، يتحقق في كثير من الأحيان ويصبح واقعًا. وأنه لا توجد فكرة، مهما بدت مروعة أو سخيفة، لا تتحول في النهاية إلى احتمال حقيقي (..) يعتمد الرئيس الأمريكي دائمًا على نفس التقنية: يقترح إجراءً يبدو غير قابل للتنفيذ وسخيفًا ليطرح مطالبه للنقاش. ففي أقل من أسبوعين في البيت الأبيض، فعل ذلك بالفعل مع قناة بنما، وغرينلاند، والهجرة، والرسوم الجمركية. والآن جاء دور قطاع غزة (..). الافتراض بأن هذه المنطقة لن توفر في المستقبل القريب ظروف حياة مناسبة يظهر نقصًا في الاستعداد لمساعدة مليوني شخص على إعادة بناء حياتهم. الاستراتيجية المعلنة هي « كلما كان الوضع أسوأ، كان أفضل » ستجبرهم فعليًا على مغادرة بلدهم من أجل البقاء. سيكون ذلك تطهيرًا عرقيًا لا يمكن للمجتمع الدولي السماح به دون أن يفقد كرامته إلى الأبد ».

برلين: لا للتهجير ونعم لحل الدولتين

أعرب كبار المسؤولين الأمان عن رفضهم لتهجير الفلسطينيين وبهذا الشأن قال الرئيس فرانك-فالتر شتاينماير (الخامس من فبراير) خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط إن » أي حل يتجاهل أو حتى ينتهك القانون الدولي هو أمر غير مقبول ». وأضاف أنه لا يعتقد أن المحادثات المزمعة بين الدول العربية والحكومة الأمريكية الجديدة ستكون ناجحة على هذا الأساس. وقال شتاينماير الذي زار تركيا وقبلها السعودية والأردن إنه شعر هناك، فيما يتعلق بمقترح التهجير أو إعادة التوطين أو « بكلمات أخرى، طرد الفلسطينيين من وطنهم » بـ « خيبة أمل وكثير من القلق، وصدمة حقيقية في بعض الأحيان ».

من جهتها أكدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (الخامس من فبراير) أن غزة »ملك للفلسطينيين » وينبغي أن يكون « كما الضفّة الغربية والقدس الشرقية » جزءا من « الدولة الفلسطينية مستقبلا ». وأضافت أن « السكان المدنيين في غزة ينبغي ألا يطردوا وينبغي ألا تخضع غزة لاحتلال دائم أو للاستيطان من جديد ». واعتبرت أنّ التهجير القسري للفلسطينيين « غير مقبول ويتعارض مع القانون الدولي »، مؤكدة أنّه « سيؤدي أيضا إلى معاناة جديدة وأحقاد جديدة ». وفي نفس السياق، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية للصحفيين إن ألمانيا تواصل العمل مع شركائها الدوليين من أجل التوصل إلى حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وبهذا الصدد كتب موقع « شبيغل أونلاين » الألماني (السادس من فبراير) ساخرا من خطة ترامب لتحويل غزة إلى « ريفيرا الشرق الأوسط »، واعتبرت أن الأخير يمارس السياسة بأسلوب مقامر في شراء العقارات والأراضي، « إنه يفعل بالضبط ما فعله طوال حياته المهنية ». واعتبرت أن الأمر يتعلق برؤية استعمارية قديمة هي « أن فكرة إعادة ترتيب الشرق الأوسط تتطلب أيضاً تدخل الجيش الأمريكي – كحامية لمغامرة استعمارية مدفوعة بالمنفعة الرأسمالية. على الرغم من أن فكرة الرئيس الأمريكي قد تبدو جديدة للوهلة الأولى، إلا أن الرغبة في إعادة بناء الشرق الأوسط وفقًا لهذه الرؤية، كانت موجودة بالفعل في واشنطن: جورج بوش الابن كان يسعى عام 2003 إلى فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية في العراق. وكانت النتيجة أن العراق غرق في حرب أهلية مما ساهم في نشوء تنظيم « الدولة الإسلامية ».

أوروبا: غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية

في رد فعله على خطة ترامب قال متحدث باسم السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (الخامس من فبراير) إن قطاع غزة يتعين أن يكون جزءا أساسيا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، وأوضح « اطلعنا على تعليقات الرئيس ترامب. الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزما بقوة بحل الدولتين، ويعتقد أنه المسار الوحيد للسلام طويل الأمد لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين ».

من جهتها اعتبرت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريما (الخامس من فبراير) أن مقترح ترامب « يهدد الاستقرار وعملية السلام ». وأكدت أن « فرنسا تعارض تماما تهجير السكان (..) نحن متمسكون بسياستنا وهي: عدم تهجير السكان والسعي إلى وقف لإطلاق النار يؤدي إلى عملية سلام وإلى حل الدولتين » الإسرائيلية والفلسطينية.

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر فأكد على ضرورة تمكين الفلسطينيين من « العودة إلى ديارهم (..) ينبغي تمكينهم من العودة إلى ديارهم. ينبغي تمكينهم من إعادة البناء وينبغي لنا أن نكون معهم في مسار الإعمار نحو حلّ الدولتين ». وقبل ساعات من تصريحات ستارمر، قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارة لكييف « يجب أن نرى الفلسطينيين قادرين على العيش وأن ينعموا بالازدهار في أراضيهم، في غزة والضفة الغربية ».

صحيفة « لا ستامبا » الإيطالية كتبت بهذا الصدد معلقة (السادس من فبراير) « سيكون من السهل جدًا رفض الخطة بسرعة باعتبارها مجرد هراء. ولكن عند التفكير بشكل أعمق، يصبح من الصعب فهم إمكانية تنفيذها وتأثيراتها المحتملة من تصريح غير عقلاني بهذا الشكل. أولاً، ستتعارض مثل هذه الخطة مع وجهة النظر الأمريكية التي كان يتبعها الرئيس الجديد في البيت الأبيض حتى الآن، حيث يكسر تابو العزلة، وبالتالي التدخل المباشر في الشرق الأوسط، متجاهلاً بذلك النفور التاريخي من المغامرات الأمريكية في الخارج، مثل الكوارث في العراق وأفغانستان (..) كما أن عدد الكوارث التي قد يجلبها هذا المخطط الجديد لقطاع غزة سيكون هائلًا: فسيعني نهاية أي إمكانية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وسيؤجل تقوية اتفاقيات إبراهام بشكل أكبر. كما سيضعف اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل وبين الأردن وإسرائيل، وهي الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة. وعلاوة على ذلك، سيجر الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي، وهو ما لا يريده أحد في أمريكا – وخاصة ترامب، على ما يبدو ».

توقع تداعيات مقلقة على الدول العربية

عبر الأردن عن رفضه لاقتراح ترامب، حيث اعتبر أن استيعاب الفلسطينيين في أراضيه يعني تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية. ويشكل هذا تهديداً للهوية الوطنية الأردنية، إذ أن نسبة كبيرة من سكان الأردن من أصول فلسطينية. أما لبنان فيواجه أصلا تحديات كبيرة في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه. وبالتالي فإن أي اقتراح بزيادة هذا العبء يمكن أن يزيد من التوترات في البلاد، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي والإنساني الصعب. كما أظهرت مصر رفضاً للمقترح، حيث أن توطين الفلسطينيين في قطاع غزة أو سيناء قد يؤثر على الأمن القومي المصري. مصر كانت دائماً من الدول المؤيدة لحل الدولتين، وتوطين الفلسطينيين في مناطق أخرى من شأنه أن يعقد الحلول التي تعتمد على التفاوض. اقتراح ترامب قد يضعف الموقف العربي بشكل عام، فمعظم الدول العربية تدعم حل الدولتين، وتعتبر تهجير الفلسطينيين خطوة نحو إلغاء حق العودة، مما قد يعرض المواقف العربية لوهن كبير، خاصة في السياق الدولي الحالي. فأي محاولة لحل القضية الفلسطينية بدون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية الأساسية، مثل حق العودة وتقرير المصير، قد تؤدي إلى تعقيد مفاوضات السلام بدلاً من تسريعها. اقتراح مثل هذا قد يبعث برسالة بأن حقوق الفلسطينيين يمكن التنازل عنها لصالح أطراف أخرى.

وبهذا الصدد كتب موقع « تاغسشاو » التابع للقناة الألمانية الأولى (الخامس من فبراير) معلقا « يخشى الكثيرون في عواصم الدول العربية أن تؤدي خطط ترامب إلى مفاقمة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بطريقة مشابهة. وهذا أحد الأسباب وراء تماسكهم في هذه الأيام. بالإضافة إلى ذلك: فقدت إسرائيل مصداقيتها في العالم العربي بأسره بسبب أسلوبها في شن الحروب في غزة، ولن يوافق أحد من القاهرة إلى الرياض حالياً على خطة لغزة لا تتضمن دولة فلسطينية مستقلة. وتقول الجامعة العربية إن قطاع غزة ليس للبيع، حتى وإن كان المشتري هو قطب العقارات في البيت الأبيض.

خطط قد تؤسس لفوضى عارمة في الشرق الأوسط

خطط ترامب بشأن غزة تتضمن عناصر الفوضى وعدم الاستقرار وفق عدد من المعلقين ليس فقط لأن ذلك يتجاهل حقوق الفلسطينيين في أرضهم، وإنما يهدد أيضا بزعزعة استقرار الدول المجاورة العربية الحليفة لواشنطن وبالتالي من المتوقع أن تتصاعد التوترات في المنطقة، مما يفتح المجال لزيادة التطرف والعنف في المنطقة بكاملها. إضافة إلى ذلك، قد تتسبب هذه الخطة في تقويض الجهود الدولية نحو تحقيق سلام شامل، مما يجعل أي حل سياسي للصراع بعيد المنال.

صحيفة « دير شتاندارد » النمساوية (السادس من فبراير) علقت على خطط ترامب وكتبت « بعد الأيام الأخيرة، التي كانت متقلبة بشكل خاص بالنسبة لترامب، قد يكون من المغري محاولة إيجاد معنى أعمق لمبادرة ترامب: ربما يريد معلم الفوضوية حقاً أن يكسر العقدة، ليبدأ بعد عام وأربعة أشهر من اندلاع الحرب التفكير في مستقبل قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم مليوني نسمة، أخيرًا. هل هو الآن في انتظار مقترحات معقولة من أصدقائه العرب في الخليج، للانخراط سياسيًا وماليًا في إعادة بناء غزة؟ (..) ربما يجب على ترامب أن يفكر في كيفية تصرف الولايات المتحدة في حال حدوث عدم استقرار في الأنظمة في الأردن ومصر. تركها تنهار ببساطة والاعتماد على قوة الفوضى الخلاقة قد لا يكون في مصلحة إسرائيل أيضًا ».

ح.ز

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق المزيد