تونس… سجن مشاهير تيك توك بين القمع و”حماية الأخلاق العامة”

محاكمات لمشاهير تيك توك في تونس تفضي إلى حبسهم. فما هي أهم أسباب الاعتقال؟ وهل يؤيد التونسيون العقوبات السجنية عندما يتعلق الأمر بما اعتبرته السلطات “إخلالاً بالأخلاق العامة”؟

يعيش التونسيون على وقع الأحكام العقابية التي صدرت في حق مؤثرات شهيرات على منصة تيك توك، فقد أصدرت محكمة ابتدائية بتونس أحكاماً بالسجن تراوحت بين عام ونصف وأربعة أعوام ونصف ضد أربعة من صناع المحتوى، وهو ما قسم الرأي العام الداخلي بين مندد بما يراه قمعاً، ومشجع على مزيد من التصدي للمحتوى « اللأخلاقي ».

الحملة التي شنتها السلطات التونسية ضد صناع المحتوى الذي تصفه بأنه يتعارض مع الأخلاق العامة، انطلقت يوم 27 أكتوبر الماضي، عندما طلبت وزارة العدل التونسية من النيابة العامة ملاحقة المتهمين بنشر ما قالت إنها « مضامين تمس من القيم الأخلاقية »، وهددت بمتابعة كل من ينشر « محتويات مخلة ».

ما هي أبرز حجج السلطات التونسية لتبرير الاعتقال والمحاكمة؟

استمرت المتابعة القانونية ضد صناع المحتوى المعتقلين إلى غاية جلسة محاكمتهم يوم الثلاثاء 5 نوفمبر، بتهم « مضايقة الغير والتجاهر عمداً بفاحشة والظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية والتي من شأنها التأثير سلباً على سلوكيات الشباب ».

من جهتها أوضحت وزارة العدل، في بيان على صفحتها على موقع فايسبوك، أن هذه الملاحقات تأتي « على إثر انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك وإنستغرام، لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية من شأنها التأثير سلباً على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الالكترونية المذكورة ».

والأمر لم يتوقف عند متابعة تونسيين يعيشون في الداخل، بل أصدرت النيابة العمومية بطاقة جلب ضدّ « مؤثرين » يعيشون خارج تونس، في كل من فرنسا وكندا والولايات المتحدة، بعد اتهامهم « بالاعتداء على الأخلاق الحميدة وإزعاج الغير عبر شبكات الاتصال ».

الباحث في علم الاجتماع منير السعيداني يرى أنه بالنسبة للسلطة « يبقى الهدف الرئيسي هو توسيع سيطرتها على النظام العام بأقصى حد ممكن، وأقصد بذلك طرق تفكير المواطنين وتعبيرهم وآراءهم، وأيضاً كيفية ربط العلاقات وإنتاجهم، ليس المادي فقط بل إنتاج الأفكار أيضاً ».

وتقوم السلطة حسب الخبير التونسي « بتقديم أي شيء يتم إنتاجه على أنه خطر على الحياء العام والأخلاق، وأحياناً قد يكون هذا صحيحاً مجتمعياً، وهو ما يعطي القوة الإقناعية لهذه الممارسات ».

ويضيف منير السعيداني قائلاً: « يبدو لي أن السلطة في تونس تسعى لاستكمال ما بدأته بتوجيه الرأي العام من خلال محاولة السيطرة على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، عبر السيطرة على ممارساتهم وأخلاقهم. لأن كل مجتمع فيه صحافة حرة تتمكن من مناقشة القضايا بشكل هادئ، هو أمر يمكن أن يهدد السلطة ».

المحامي التونسي مهدي لواتي ورئيس الجمعية التونسية لمقاومة الجريمة الإلكترونية، اعتبر في تصريحات إعلامية لإذاعة موزاييك إف إم المحلية، أن « الأخلاق العامة هو مفهوم نسبي ومتغير، لكن هناك أساسيات لا تتغير ونتفق عليها في مجتمعنا العربي المسلم، والدولة في شخص النيابة العامة تحمي النظام العام الاجتماعي ».

وشدد المتحدث على أن « ما هو محرم في الواقع محرم في العالم الافتراضي، وأن هناك حسابات في التيك توك تشبه أوكار البغاء، وأن المشرع التونسي يعاقب على ذلك ». مؤكداً أن « بلاغ وزارة العدل لم يأتي بجديد بل ذكر بطريقة غير مباشرة بقوانين موجودة وقال إنه سيتم تطبيقها لأن الظواهر الغير أخلاقية صارت مستفحلة وخرجت على السيطرة على التيك توك ».

منتقدون: « المحاكمات انتقام سياسي وقمع لحرية التعبير »!

الأحكام المنطوقة في حق المتهمين يجدها بعض الحقوقيين قمعاً لحرية التعبير، وومن بينهم الإعلامية زينة ماجري، مؤسسة منصة « فالصو » للتحقق من الأخبار الكاذبة، التي نشرت منشورين على صفحتها على الفايسبوك حول الموضوع، مشيرة إلى أنه عوض أن يشمت البعض في المعتقلين، عليهم أن ينتبهوا لما وصفته بـ « الجنون والقمع الذي يمارسه قيس السعيد ويواصله بمباركة الكثيرين ».

وأضافت في منشور ثان، أن بعض « الإعلاميين التونسيين أيدوا هذه الأحكام غيرة من نجاح هؤلاء المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي وتحقيقهم لمكتسبات مادية أكثر منهم ». كما أن الكثيرين ذكروا بالمرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد في سبتمبر 2022 بهدف « تنظيم النشر في الفضاء الإلكتروني ومقاومة الاعتداء على الحياة الشخصية للأفراد »، لكنّه تحوّل إلى مرسوم تستعمل السلطات للتضييق على حرية الرأي والتعبير، في نظرهم.

من جهته، أدلى النائب التونسي ماهر المذيوب، وهو عضو عن حزب النهضة في مجلس الشعب الذي حله الرئيس قيس سعيد عام 2021، برأيه حول ما يحصل من اعتقالات للمشاهير في شكر فيديو على صفحة قناة البلاغ المحلية، معبراً على أن الأمر يتعلق « بعهد الاستبداد، وأنه بعد قمع الصحافة التونسية والدولية والتضييق على حرية التعبير، قرر قيس السعيد أن ينقلب على مواقع التواصل الاجتماعي التي أوصلته لكرسي الرئاسة، وصار هاجسه أن يزج بشباب وشابات تونس في المعتقلات والسجون ». وأضاف المتحدث أن « الرئيس التونسي لا يأبه بالأخلاق، بل يريد الحجر على مواقع التواصل الاجتماعي ومحتواها، ومشكلته مع العائدات المالية التي يجلبها هؤلاء الشباب منها، موضحاً أن المشكل أنه بقراراته هذه يمس عصب الحياة ».

إشكاليات أخلاقية ومجتمعية تجعل بعض التونسيين مناصرين للاعتقالات!

أثارت الملاحقات القضائية جدلاً واسعاً حول الحقوق والحريات والحدود القانونية لدور أجهزة الدولة في حماية الأخلاق العامة، لكن العديد من التونسيين يعبرون جهراً عن خوفهم على الجيل الصاعد من الأفكار التي تصله عبر هذه المنصات.

ويرى جزء من الشعب التونسي أن انتشار مقاطع فيديو على تيك توك ومنصات أخرى، محتواها يحمل إساءة للمرأة والعائلة التونسية، خاصة أن نسبة المستخدمين التونسيين على منصات التواصل الاجتماعي صارت أكبر في السنوات الأخيرة.

الخبير في علم الاجتماع منير السعيداني يرى أنه على المستوى السياسي العام في تونس هناك انقسام واضح بين من يناصرون السلطة ومن لا يناصرونها في قراراتها.

كما عزى الخبير أمر الاتفاق مع السلطة في أمر الاعتقالات الحاصلة، في أنه « تعبير عن عدم الرضى على مظاهر فساد كثيرة في المجتمع، لكن المتفق مع قرار الاعتقال اليوم لم تتح أمامه فرص سابقة للتعبير عن رأيه، وهو في الحقيقة اليوم بصدد محاولة الدفاع عن منظومة قيمية يجد أنه واقع تحت أثر تحللها، وهو أمر مضر بالنسبة له ».

وحسب آخر الإحصائيات، فإن 64 بالمئة من مستخدمي الأنترنيت التونسيين لديهم حسابات على فايسبوك، و44 بالمئة على « ماسنجر » فايسبوك، 25 بالمئة بالمئة على « إنستغرام »، و14 بالمئة على « لينكد إن »، 11 بالمئة على « سناب شات »، و3 بالمئة على « إكس »، وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة « ميديانت » المتخصصة في التسويق الرقمي لعام 2022.

كما أن تونس تتصدر قائمة الدول العشر الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي في إفريقيا، وتأتي في الرتبة الرابعة، حسب المصدر ذاته.

« رأي عام غامض أخلاقياً« !

يرى الباحث في علم الاجتماع منير السعيداني، أنه « في مثل هذه المواضيع المهمة يتعين على السلطات الاستماع لآراء الخبراء وأن يتم إشراكهم في النقاشات بغية إيجاد حلول فعالة ».

ويتابع: « من يتكلم الآن هو رأي عام غامض أخلاقياً، وسلطة سياسية وسلطة قضائية، مما يجعل المناقشة صعبة جداً ولا يمكن أن نحسم فيها بطريقة علمية، بل أن الأمر يجعل المجابهة المجتمعية لهذه الظواهر على خطورتها مجابهة فاشلة، لأننا نعول على القرار السياسي وعلى الوسائل القضائية وعلى نقاش غير منضبط وغير منظم ».

وأشار المتحدث إلى ضرورة فتح المجال لليافعين بأنفسهم ليتحدثوا عن احتياجاتهم وعن تصوراتهم لحل الأزمة.

يواجه تيك توك حملات في كثير من الدول المجاورة لتونس ومنها المغرب، الذي وصل النقاش فيه للبرلمان في وقت سابق من السنة. ثم أيضا في دول أخرى لعل أبرزها اليوم البرازيل، فالهيئة الوطنية لحماية البيانات هناك رصدت ما وصفته ب « مؤشرات على انتهاكات المعايير البرازيلية بشأن استخدام القاصرين للإنترنت ».

كما أن المنصة تواجه دعاوى قضائية جديدة من قبل 13 ولاية أمريكية ومقاطعة كولومبيا، حيث تتهم المنصة بالتسبب في الأذى للأطفال. وفي فرنسا، أقامت عائلات دعوى قضائية ضد المنصة، واتهمتها بتعريض أطفالها ومراهقيها لمحتوى ضار، أدى إلى انتحار اثنين منهم في سن الخامسة عشرة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد