تحقيق: فاطمة خشّاب درويش
بات تطبيق تيك توك من أكثر التطبيقات الترفيهيّة الحديثة شعبيّةً بين مختلف الشرائح، وخصوصاً الأطفال والمراهقين. فماذا يقول مستخدموه عن تجربتهم معه؟ وكم ساعة يمضون في استخدامه؟ وهل هم مدركون لطبيعة المخاطر التي يحملها هذا التطبيق في طيّاته؟
أسئلة طرحناها على مجموعة أطفال وناشئة تتراوح أعمارهم ما بين 8 و16 سنة، للوقوف عند موقفهم من هذا التطبيق.
* فيديوهات مضحكة ومسلّية
يملك الطفل حسين ف. (8 سنوات) جهازاً إلكترونيّاً خاصّاً به يستخدم من خلاله تطبيق تيك توك. وهو يمضي، كما يقول، “وقت كتير” وهو يتابع الفيديوهات المضحكة والمقالب من كلّ أنحاء العالم. ويتابع أيضاً فيديوهات لاعبي كرة القدم، وأحياناً يشاهد مقاطع لأطفال “يتحدّون بعضهم بعضاً”.
وعند سؤاله: “ما الذي يعجبك في هذا التطبيق؟”، يجيب بشكلٍ سريع: “أصلاً تيك توك بضحّك، بخلّينا ننبسط، ونشوف ولاد كتار بالعالم شو بيعملوا”! وردّاً على سؤال حول عدد الساعات التي يمضيها في تصفّح التيك توك، يقول: “بجي من المدرسة، باكل بسرعة، وبدرس كمان بسرعة، ودغري بشغّل الجهاز، وببلّش بحضر حتّى يصير وقت النوم”.
* أتابع فقط الفيديوهات الأجنبيّة
أمّا ملك س. (13 عاماً)، فتتحدّث عن تيك توك بلهفةٍ وكأنّه الشيء الأجمل في حياتها. وعند سؤالها: “هل تستخدمين تيك توك؟”، كان جوابها: “أكيد.. أكيد”، وكأنّنا نسأل عن المسلّمات. وعند سؤالها: “ماذا تتابعين على تيك توك؟”، كان الجواب: “أنا لا أتابع فيديوهات باللغة العربيّة، وإنّما أحبّ مشاهدة تلك الأجنبيّة لأنّ فيها الكثير من الضحك والتسلية، وخاصّة الفيديوهات التي يتحدّى فيها الشباب أهلهم أو أصدقاءهم، فهذا شيء ممتع للغاية”. وعند سؤالها عن الوقت الذي تمضيه في استخدام التطبيق، أجابت: “لا يوجد وقت محدّد، فأنا أدخل إلى التطبيق وقتما أشاء، خاصّة وأنّني أتّفق مع صديقاتي في المدرسة على متابعة أكبر عدد من الفيديوهات لنتحدّث عنها في اليوم التالي”. أمّا عن سلبيات هذا التطبيق، فتقول بكلّ ثقة: “لا أعتقد أنّ ثمّة أيّ سلبيات. فلولاه، لما كنّا عرفنا ماذا يحصل في العالم. أشعر أنّني أعرف كلّ شيء وأنا أستخدمه”. وعن رأي أهلها باستخدام تيك توك، تقول: “أهلي لا يعرفون شيئاً عن تيك توك، ولم يسألوني يوماً ماذا أفعل. أتصّور أنّه ليس لديهم مشكلة في ذلك”.
* شخصيّتي على تيك توك مختلفة
يستخدم أحمد ح. (16 عاماً) تيك توك منذ سنوات، ويقول: “كلّ الشباب يلّي بعرفن بيستخدموا تيك توك. وأهمّ شي إنّو الفيديوهات قصيرة ومش معقّدة”. أمّا عن أكثر ما يستهويه، فيقول: “أحبّ مشاهدة التحدّيات والمشاركة في بعضها ولكن باسم وهميّ، حتّى لا يتعرّف عليّ أحد”. وعند سؤاله عن الوقت الذي يمضيه باستخدام التطبيق، أجاب: “أستخدمه غالباً في الليل عندما ينام كلّ أهلي، فأضع السمّاعات في أذنيّ، وأحياناً أبقى حتّى الفجر دون أن أشعر”.
* مشاهد وألفاظ غير أخلاقيّة
بخلاف الحالات السابقة، ربّما تكون بتول ع. (15 عاماً) الأكثر انتباهاً لمخاطر استخدام تطبيق تيك توك، الذي تعرّفت إليه عن طريق صديقاتها. وحول تجربتها تقول: “في بداية استخدامي للتطبيق شعرت وكأنّني في عالم غريب عنّي، لا يشبه واقعي، إذ بدأت تظهر أمامي فيديوهات بمحتويات وألفاظ غير أخلاقيّة، فكنت أشعر بالإحراج نتيجة ذلك. وقد وصل تعلّقي بالتطبيق إلى حدّ الإدمان، لدرجة أنّه دفعني إلى ترك بعض الواجبات الدينيّة، والتراجع في دراستي. لم يكن من السهل الابتعاد عن هذا العالم، ولكن بعد محاولات جدّية عدّة، ألغيت حسابي على تيك توك، وعدت لممارسة حياتي الطبيعيّة من جديد”.
* خطر على الأطفال والمراهقين
للوقوف عند خطورة هذه الظاهرة، لجأنا إلى الدكتور جمال مسلماني، رئيس لجنة الخبراء الفنّيّين الرقميّين في شبكة التحوّل والحوكمة الرقميّة في لبنان والاستشاريّ المتخصّص في التكنولوجيا المتقدّمة والأمن السيبرانيّ، وقد اعتبر أنّ هذه المخاطر “تزداد عند الأطفال والمراهقين الذين يستخدمونه لتمضية أوقات فراغهم من دون وعي أو إدراك لما يجري معهم، بعيداً عن أعين الأهل ورقابتهم”.
ويضيف: “أخطر ما في الأمر أنّ باستطاعة الأطفال والمراهقين استخدام التطبيق من دون الحاجة إلى تسجيل الدخول أو إدخال أيّ بيانات شخصيّة، إلّا في حال أراد المستخدم المشاركة في صناعة المحتوى”. ويتابع: “على الرغم من أنّ هذا التطبيق يحدّد الفئات العمريّة التي يُسمح لها باستخدامه، إلّا أنّ ما يقوم به الأهل من إدخال عمر وهميّ وغير صحيح لأبنائهم، من أجل إنشاء بريدٍ إلكترونيّ يتيح لهم تشغيل الهاتف أو تطبيقاته المختلفة، يزيد المشكلة سوءاً”.
* انتهاك الخصوصيّة
ويلفت د. مسلماني إلى أنّ “تطبيق تيك توك يثير الكثير من المخاوف والقلق بين المتخصّصين في الأمن الإلكترونيّ بسبب ما تشير إليه التقارير الأمنيّة التكنولوجيّة من أنّه يقوم بانتهاك خصوصيّة المستخدمين؛ فيجمع المعلومات عنهم، ويتجسّس عليهم، ويسرق بياناتهم الشخصيّة. ومع الأسف، يتغافل الكثير من المستخدمين عن هذه التحذيرات ويتجاهلونها بسبب غرقهم في مكائد التطبيق على حساب خصوصيّاتهم وبياناتهم الشخصيّة”.
* مخالفة الضوابط الاجتماعيّة والدينيّة
يشير الدكتور إلى أنّ “استخدام التطبيق بشكلٍ مستمرّ يعزّز رغبة المستخدمين في فعل أيّ شيء لجذب المتابعين والتفاعلات، ولو دفع ذلك ببعضهم إلى كسر الأنماط السلوكيّة والأعراف الاجتماعيّة والضوابط الدينيّة. وقد يصل الأمر بالبعض إلى الإصابة بأعراض ومتلازمة (هوس الشهرة)، التي أصبح الكثيرون يسعون وراءها، ويفعلون المستحيل لكي يتمّ منحهم لقب (الفلوغرز vloggers) أو (المؤثّرين Influencers)، وغيرهم.
وفي كثير من الأحيان، يتأثّر المستخدم بالأفكار والسلوكات اللاأخلاقيّة التي يطرحها التطبيق عبر مختلف الفيديوهات، فينعكس ذلك عليه وعلى طريقة تعامله مع الأسرة والأصدقاء والمجتمع.
* إثارة الفروقات الطبقيّة والاجتماعيّة
لا تقف سلبيّات هذا التطبيق عند هذا الحدّ، بل تتعدّاها إلى إثارة الفروقات الطبقيّة. وحول ذلك يقول الدكتور: “يؤدّي استخدام هذا التطبيق إلى التعرّض إلى تأثيرات نفسيّة سلبيّة متفاوتة بين المستخدمين جرّاء مشاهدتهم لفيديوهات الأغنياء والمشاهير ولباسهم ومأكلهم ومنازلهم وأثاثهم وسيّاراتهم وممتلكاتهم وغيرها، حيث يبدأون في المقارنة، فيشعرون بعدم الرضى عن واقع حياتهم، وكذلك بالعجز والدونيّة، وقد يضطرّ بعض المستخدمين إلى التعويض عن هذه الدونيّة بالاستدانة أو الاقتراض، أو القيام بأيّ فعل منافٍ للقوانين أو الأخلاق أو الدين للحصول على ما يمكّنه ماليّاً واجتماعيّاً أن يظهر بأفضل حال كسباً للتفاعل وحصد الإعجاب”.
* أضرار اجتماعيّة
في الكثير من الأحيان، يؤدّي هذا التطبيق، كما غيره من تطبيقات ومنصّات التواصل الاجتماعيّ، إلى العزلة الاجتماعيّة، حيث يشعر الفرد أنّه في عالمه الافتراضيّ الجميل والخاصّ. وبما أنّ التطبيق منصّة مفتوحة على العالم كلّه، فإنّ ذلك سوف يفتح النافذة على تبادل مختلف الثقافات والأديان والعادات والتقاليد، ممّا قد يسبّب مخاطر نقل الثقافات المخالفة لعادات مجتمعنا العربيّ وتعاليم ديننا الإسلاميّ. كما تؤدّي هذه التطبيقات إلى التفكّك الأسريّ، سواء بين الزوجَين من جهة، أو بين الوالدَين والأبناء أو أبناء الأسرة الواحدة من جهة أخرى.
ويوضّح د. مسلماني أنّ “الأطفال قد يقومون بمشاهدة المئات من الفيديوهات غير الأخلاقيّة التي قد تدفعهم إلى تقليد ما يشاهدونه، أو تلك التي تبعث على عدم احترام الأبوين وعلى التمرّد عليهما. وقد أدّى ذلك إلى صعوبة السيطرة على محتواها، ما أفقد الأهل سيطرتهم ورقابتهم”.
* نصائح وإرشادات
لكي تتمّ الاستفادة من التطبيق بالشكل الأمثل، وللحدّ قدر الإمكان من سلبيّاته ومخاطره، يقدّم د. جمال النصائح الآتية:
1. التوعية الرقميّة: يجب على الأهل توعية أولادهم بخطورة الاستخدام السلبيّ للتكنولوجيا، وإعطاؤهم النصح والإرشادات والملاحظات اللازمة بطريقة محبّبة تتناسب وأعمارهم. وبسبب عدم خبرة كلّ الأهل في مجال التوعية الرقميّة، يقترح د. مسلماني على المدارس والمؤسّسات التربويّة أن تعزّز حضورها في مجال التوعية الرقميّة والإرشاد والسلوك الرقميّ.
2. الرقابة الأبويّة: تتجسّد الرقابة الأبويّة بالمراقبة الدائمة لاستخدامات الأبناء لتلك التطبيقات، سواء عبر تطبيقات مجّانيّة أم عبر الرقابة “البصريّة” المباشرة. والأصل هو دراسة جدوى تنزيل التطبيق على أجهزة الأبناء، لأنّ الكثير من الأهالي، وبدلاً من أن يقوموا بتوجيه أطفالهم وثنيهم عن استخدام تطبيقات لا تراعي أعمارهم، نجدهم يقومون بتنزيل تلك التطبيقات هرباً من صراخهم.
3. الرقابة الزمنيّة: من المفيد جدّاً تحديد المدّة الزمنيّة لاستخدام الجهاز الذكيّ من قِبل الأبناء، إمّا بشكلٍ مباشر أو عبر تطبيقات الرقابة الأبويّة، التي يمكن من خلالها تحديد الفترة الزمنيّة لاستخدام التطبيق، وكذلك اختيار التطبيق الذي يُسمح بتشغيله.
في الختام، إنّ استخدام تيك توك وغيره من التطبيقات هو سيف ذو حدّين، لكن مشكلته لا تنحصر بسوء الاستخدام فحسب؛ لذلك سنتتبع في العدد القادم ما يُعرف بـ “تحدّيات التيك توك” الخطرة التي قد يكون ثمنها حياة أطفالنا!